يشكل برنامج تطوير وسط مدينة الرياض أحد تطبيقات مفهوم (التطوير الشامل) الذي تبنته الهيئة الملكية لمدينة الرياض، منذ إنشائها حتى الآن، حيث يهدف هذا البرنامج إلى تحويل منطقة وسط الرياض إلى مركز تاريخي وإداري واقتصادي وثقافي على المستوى الوطني. وقد شهد هذا البرنامج انطلاقته الأولى خلال الاجتماع الثاني للهيئة لعام 1434هـ.
يمثل وسط مدينة الرياض المركز السياسي والإداري لها حيث يضم قصر الحكم ومقرات حكومية مختلفة وعدد من المؤسسات الثقافية والتراثية الوطنية. كما تمارس هذه المنطقة دوراً اقتصادياً مهماً على مستوى المدينة باعتبارها منطقة نشطة بالحركة التجاريةً، ولا تزال هذه المنطقة تحافظ على تميزها بالأنشطة التقليدية والمتخصصة حتى الوقت الحاضر.
وقد أدى تسارع النمو العمراني لمدينة الرياض خلال العقود الماضية والتركيز على أنماط حديثة في العمران إلى هجرة سكان المنطقة إلى أجزاء أخرى من المدينة، وهذا أدى إلى تفريغ المنطقة من السكان وتراجع الحالة العمرانية مما شجع العمالة من جنسيات مختلفة على استيطان المنطقة، وتغيير الاستعمالات السكنية بأخرى مساندة للأنشطة التجارية مثل المستودعات نظراً لانخفاض الإيجارات المتواكب مع تردي الحالة العمرانية، وهو ما أثر سلباً على دور وسط المدينة ووظيفته الرئيسية.
وبالرغم من هذه الأوضاع التي تعاني منها المنطقة إلا إنها تمتلك من عوامل القوة والفرص المتاحة لدعم نجاح تطويرها بما يتناسب مع الرؤية المستقبلية للمدينة.
خطة التطوير
اعتمدت الهيئة خطة متكاملة لتطوير منطقة وسط مدينة الرياض، تهدف إلى تحويل المنطقة إلى مركز تاريخي وإداري واقتصادي وثقافي على المستوى الوطني، وذلك من خلال دراسة وتحليل الأوضاع الراهنة للمنطقة ووضع رؤية مستقبلية لتطويرها، وفق برنامج تنفيذ تشارك في تنفيذه مختلف الجهات ذات العلاقة من القطاعين العام والخاص إضافة إلى الملاّك من المواطنين.
هذه الخطة ستكون بإذن الله، بمثابة البوصلة الرئيسية التي توجّه التطوير المستقبلي لهذه المنطقة وتعالج أوضاعها الراهنة، بشكل يوظف الفرص المتاحة فيها، ويحولها إلى بيئة جاذبة للإقامة والعمل والاستثمار، ويحافظ على المباني التراثية والتاريخية في المنطقة، ويشجع على عودة المواطنين للسكن فيها، ويوفر لفئة الشباب احتياجاتهم المعاصرة.
وتعمل هذه الخطة على تحقيق مجموعة من العناصر تشمل: المحافظة على التراث العمراني والثقافي، والمحافظة على الأنشطة التجارية القائمة وزيادة فرص العمل، والتنويع في أنماط المساكن وتحقيق التوازن الاجتماعي والسكاني، والتوسع في المناطق المفتوحة، وتعزيز الأمن الحضري، إضافة إلى تحسين شبكة الطرق والمرافق العامة في كامل المنطقة.
وحددت الخطة منطقة وسط مدينة الرياض، بالمنطقة المحصورة بين: شارع الوشم متصلاً بطريق عمر بن الخطاب شمالاً، وطريق الخرج شرقاً، وشارع عمار بن ياسر متصلاً بشارع الأعشى جنوباً، وشارع الإمام عبدالعزيز بن محمد غرباً، وبمساحة تقريبية تبلغ 15 كيلومتر مربع.
تطوير الأحياء السكنية
من أبرز ملامح هذه الخطة تطوير الإسكان في عدد من أحياء وسط المدينة، وإعادة تطوير الأحياء السكنية بكثافات ووحدات سكنية مختلفة، بهدف زيادة عدد السكان من المواطنين في المنطقة وتعزيز الأمن الحضري وتحسين جودة الحياة في المنطقة، ويجري التنسيق بين الهيئة الملكية لمدينة الرياض ووزارة الإسكان لتطوير مشاريع للإسكان في وسط المدينة ضمن مواقع حددتها الخطة وذلك لمساندة جهود الوزارة في تطوير وإنشاء مشاريع الإسكان في وسط مدينة الرياض.
تطوير منظومة النقل في المنطقة
في جانب النقل، جرى وضع خطة متكاملة لتطوير منظومة النقل في المنطقة تشمل تأهيل الطرق المحيطة بالمنطقة لتشكل طريقاً دائرياً يحيط بكامل المنطقة، واستحداث طرق داخلية جديدة، وتأهيل التقاطعات، وتحسين بيئة حركة المشاة، وتخصيص مواقف للسيارات في كافة أجزاء المنطقة.
وتمتد مسارات مشروع النقل العام (القطار والحافلات) الذي يجري تنفيذه في مدينة الرياض إلى وسط المدينة، عبر مرور ثلاثة خطوط رئيسية للقطار تشمل (مسار محور العليا – البطحاء)، و(مسار طريق المدينة المنورة)، و (مسار طريق الملك عبدالعزيز)، إضافة إلى مسارات شبكة الحافلات، واحتضان المنطقة لواحدة من محطات القطار الرئيسية عند تقاطع طريق المدينة مع شارع الملك فيصل.
تطوير المناطق المفتوحة والحدائق
كما ركزت الخطة على زيادة نسبة المناطق المفتوحة والحدائق في المنطقة، عبر توفير ساحات عامة ومناطق مفتوحة ترتبط بمحطات النقل العام من خلال ممرات مشاة آمنة، وإضافة مناطق مفتوحة في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من مركز الملك عبدالعزيز التاريخي وتمتد حتى منطقة قصر الحكم على امتداد المسار الثقافي التراثي الذي سيكون أحد مكونات الخطة التنفيذية، كما تضمنت الخطة توسعة متنزه سلام من الجهة الشرقية، وإنشاء حدائق عامة ومحلية تخدم المنطقة والمدينة بشكل عام، وتكثيف التشجير على الطرق والشوارع الرئيسية في المنطقة وتحسين حركة المشاة فيها.
التطوير الثقافي والتراثي
شملت خطة تطوير المنطقة في الجانب التراثي والثقافي اعتبار المنطقة داخل أسوار الرياض القديمة “منطقة ذات ضوابط خاصة”، واستعادة ذاكرة الرياض القديمة عبر المحافظة على المباني التراثية من خلال مشروعي تطوير (الظهيرة والدحو)، واستحداث مسار ثقافي تراثي سياحي يمتد من مركز الملك عبدالعزيز التاريخي شمالاً وحتى “القرية التراثية” المزمع إنشاؤها في حي الشميسي جنوباً، مرورا بالمعالم التراثية والثقافية والترفيهية في كل من: الظهيرة والدحو ومنطقة قصر الحكم ومتنزه سلام.
زيادة الاستعمال الحكومي
في جانب الخدمات الحكومية، أكدت الخطة على دور المنطقة الرئيسي كمركز إداري للمدينة، وذلك عبر تعزيز هذا الدور من خلال زيادة الاستعمال الحكومي في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من قصر الحكم، لتتضمن مقرات للمؤسسات الحكومية التي تتواءم في وظائفها كالأجهزة الإدارية والمحاكم، في الوقت الذي سيجرى فيه توسيع نطاق الاستعمال الحكومي في المنطقة ليشمل إنشاء مؤسسات إعلامية بالقرب من “مجمع وزارة الثقافة والإعلام” تضم مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى إنشاء مؤسسات تعليمية وثقافية إلى الشمال والغرب من مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، وهو ما من شأنه المساهمة في زيادة فرص العمل للمواطنين في المنطقة، وبالتالي دعم التوجه لجذبهم للعمل والسكن فيها.
تعزيز الأنشطة التجارية وتحسينها
ولم تغفل الخطة تعزيز الأنشطة التجارية في المنطقة، حيث عززت مناطق الاستعمال المختلط على الشوارع الرئيسية مع تركيز وتكثيف الاستعمال المختلط حول محطات القطار للاستفادة القصوى من النقل العام، واستحداث (العصب الرئيسي للأعمال والسياحة) كمحور جديد للاستعمالات المختلطة والترفيهية بين طريق البطحاء وشارع الملك فيصل، يتضمن تنوعاً في الاستعمالات، وزيادةً في الارتفاعات والكثافة، مع إيجاد منطقة للخدمات السياحية والفنادق الجديدة في وسط المدينة.
كما سيجري وفق الخطة، بمشيئة الله، الاحتفاظ بالنشاط التجاري في منطقة البطحاء مع تحسين الأماكن العامة والممرات والخدمات، وتحديد أنواع النشاط المناسب للبقاء والأنواع التي يفضل نقلها إلى أجزاء أخرى من المنطقة أو المدينة، مع الحفاظ على مواقع الأنشطة التجارية التي تخدم على مستوى المدينة، والتي منها الأنشطة الواقعة على شارع آلسويلم وشارع العطايف.
البرنامج التنفيذي
اشتملت الخطة على برنامج تنفيذي اكد على ضرورة وجود دور حكومي مباشر لدفع التطوير وإحداث التغير في المنطقة وخصوصاً في المراحل الأولى من التطوير وذلك من خلال مجموعة من الآليات التنفيذية التي تعمل بشكل متوازي تتكون من تنفيذ مشاريع ومبادرات حكومية مثل تطوير خطوط النقل العام وفتح الطرق والمناطق المفتوحة وغيرها، وكذلك العمل على إنشاء (شركة تطوير حكومية) تتولى مسؤولية إدارة وتطوير المنطقة، وتقوم بتحديد أولويات التطوير، وإعداد المخططات التفصيلية، وتشكيل لجنة عليا تتولى الإشراف والمتابعة لتنفيذ الخطة.
بالإضافة إلى تنفيذ إجراءات للمعالجة على مستوى المدينة من شأنها تسهيل عملية التطوير ومعالجة القضايا التي تعاني منها المنطقة مثل توفير مناطق بديلة لاستعمال المستودعات ومناطق لسكن العمالة ووضع حلول لشبكات الطرق والإدارة المرورية لتسهيل الوصول إلى المنطقة.
إضافة إلى تحديد حزم استثمارية يمكن أن تنفذ بواسطة مؤسسات القطاع الخاص والعمل على إشراك ملاك العقارات في المنطقة وصغار المطورين من خلال تحفيز التطوير الفردي.
وتعتبر هذه الخطة بمثابة “خطة عمل مشتركة” لكافة الأطراف المعنية بالتطوير في المنطقة حيث تمثل المرجعية لكافة الأطراف المعنية بالتطوير في المنطقة لتنفيذ خططها وفق الأولويات والمراحل الزمنية الواردة في هذه الخطة، وستساهم هذه الخطة بمشيئة الله في صياغة مستقبل جديد لكامل المنطقة يعيد مكانتها الطبيعية كقلب نابض للعاصمة ويمثل بيئة سكنية واقتصادية وسياحية جاذبة.