[القبائل القحطانية في الشمال]

جاءت هذه القبائل من الجنوب اليمني، وأول من قدم منها قضاعة من نسل حمير بن سبأ. إذ جاءت إلى جدة وما يصاقبها من تهامة إلى الجنوب, وقد اضطرت إلى النزوح من هذا المكان؛ لحرب وقعت بينها وبين ربيعة التي كانت في جوارها، وكان السبب أن رجلًا منها عشق فتاة من ربيعة، فانتصرت مضر وإياد وأنمار لربيعة، بينما انتصرت عك لقضاعة، فهُزمت قضاعة وأجليت عن أماكنها، فقصدت نجدًا ثم الشام١. وفي ذلك يقول عامر بن الظرب المضري:

قضاعة أجلينا عن الغور كله ... إلى فلجات الشام تزجي المواشيا

وما عن تقال كان إخراجنا لهم ... ولكن عقوقًا منهم كان باديا

بما قدم الهندي لا دَرَّ دَرُّه ... غداة تمنى بالحرار الأمانيا

وللنسابين آراء في أصل قضاعة: منهم من يرجع نسبها إلى حمير بن قحطان، ومنهم من ينسبها إلى معد بن عدنان. وسبب هذا الاختلاف عوامل سياسية كان لها أثر في تصنيف الأنساب في عهد معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد، إذ حملا زعماء قضاعة ومنها كلب التي كانت ميسون زوجة معاوية منها، على التخلي عن نسبتهم إلى القحطانية اليمنية والانتماء إلى معد. فأثرت المغريات والأموال التي بذلها معاوية وابنه في بعض زعماء قضاعة، واستجابوا لطلب الخليفتين الأمويين، بينما رفضت الأكثرية وأبت إلا الاستمرار في نسبتها إلى قحطان. ويظهر أن اختلاط قبائل من قضاعة بقبائل عدنانية، وأخرى منها بقبائل قحطانية، هو السبب في اضطراب النسابين في نسب قضاعة، بعضهم يجعلها في معد وبعضهم الآخر في قحطان٢.


١ جورجي زيدان: تاريخ العرب قبل الإسلام، ص١٧٠.
٢ جواد علي: ٤/ ٢٣٨-٢٣٩.
"ومن النسابين من يقول بأن قضاعة من معد في الأصل ثم مالت إلى اليمن في عهد مروان بن الحكم عندما حدثت الفتنة بين قبيلة كلب وبين قيس عيلان، وانتمت إلى حمير".